کد مطلب:168008 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:152

تأمل و ملاحظات
1) لم یبعث عمر بن سعد لعنه اللّه إلی الامام (ص) أحداً كما أوصاه مسلم علیه السلام، وماتفرّد به الدینوری فی أنّ هذا المبعوث كان من قِبل محمّد بن الاشعث وعمر ابن سعد تعارضه روایة الطبری حیث ذكر أنّ إیاسَ بن العثل الطائی كان مبعوثاً من قبل ابن الاشعث ولم یذكر عمر بن سعد معه، كما أنّ مسلماًعلیه السلام أوصی ابن الاشعث بإرسال من یخبر الامام علیه السلام بمعزل عن ابن سعد وقبل أن یطلب من هذا الاخیر ذلك أیضاً، ثمّ إنّ عمر بن سعد كان قد خان الوصیّة فی نفس مجلس ابن زیاد وتنكّر لها، فقد مضی فی روایة أخری للطبری وهو المشهور أیضاً أنّ مسلماًعلیه السلام قبل أن یُقتل حین سارّ عمر بن سعد بوصایاه، والتی كانت الاخیرة منها: (وابعث إلی حسین من یردّه فإنّی قد كتبت إلیه أُعلمه أنّ النّاس معه، ولاأراه إلاّ مقبلاً! فقال عمر لابن زیاد أتدری ما قال لی!؟ إنّه ذكر كذا وكذا! قال له ابن زیاد:


إنّه لایخونك الامین ولكنْ قد یؤتمن الخائن!!). [1] .

2) مرَّ بنا قبل هذا أنّ خبر مقتل مسلم بن عقیل علیه السلام وهانی بن عروة (رض) قد بلغ الامام علیه السلام فی الثعلبیة، ولامانع أن یتكرر ورود هذا الخبر المفجع علی الامام علیه السلام فی أكثر من منزل، وبواسطة أكثر من مُخبر، فیتجدّد اتقاد حزن الامام علیه السلام ومن معه علی هؤلاء الشهداء الابرار كلّما حدّثه قادمٌ علیه بخبرهم! فیرتجّ الموضع بالاسترجاع وبالبكاء والعویل، وتسیل الدموع لاجلهم كلَّ مسیل، كما هو الوصف فی روایة السید ابن طاووس (ره)

3) خبر مقتل عبداللّه بن یقطر (رض): أمّا قول الدینوری: ثمّ أخبره الرسول بقتل قیس بن مسهّر الصیداوی رسوله الذی وجّهه من بطن الرمّة، فهو مخالف للمشهور الذی علیه جلُّ علماء السِیر من أنّ الذی وصل إلی الامام علیه السلام فی زُبالة هو خبر مقتل عبداللّه بن یقطر أخیه من الرضاعة، یقول الطبری: (كان الحسین لایمرُّ بأهل ماءٍ إلاّ اتبعوه! حتّی انتهی إلی زُبالة سقط إلیه مقتل أخیه من الرضاعة، مقتل عبداللّه بن یقطر، [2] وكان سرّحه إلی مسلم بن عقیل من الطریق وهو لایدری أنّه قد أصیب، فتلقّاه خیل الحصین بن نمیر بالقادسیة، فسرّح به إلی عبیداللّه بن زیاد، فقال: إصعد فوق القصر فالعن الكذّاب ابن الكذّاب ثمّ انزل حتی أری فیك رأیی! قال: فصعد، فلمّا أشرف علی النّاس قال: أیها النّاس، إنّی رسول الحسین بن فاطمة، بن بنت رسول اللّه (ص) لتنصروه وتوازروه علی ابن مرجانة، ابن سمیّة الدعیّ! فأمر به عبیداللّه فأُلقی من فوق القصر إلی الارض، فكُسرت عظامه وبقی


به رمق، فأتاه رجل یُقال له: عبدالملك بن عمیر اللخمی فذبحه! فلمّا عیب ذلك علیه قال: إنّما أردتُ أن أُریحه! قال هشام: حدّثنا أبوبكر بن عیّاش عمّن أخبره قال: واللّه ماهو عبدالملك بن عمیر الذی قام إلیه فذبحه، ولكنه قام إلیه رجل جَعْدٌ طُوال یشبه عبدالملك بن عمیر قال: فأتی ذلك الخبر حسیناً وهو بزُبالة، فأخرج للناس كتاباً فقراءه علیهم:

بسم اللّه الرحمن الرحیم، أمّا بعدُ فإنّه قد أتانا خبرٌ فظیع! قُتل مسلم بن عقیل وهانیء بن عروة وعبداللّه بن یقطر! وقد خذلتنا شیعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلینصرف لیس علیه منّا ذمام!

قال: فتفرّق الناس عنه تفرّقاً فأخذوا یمیناً وشمالاً! حتّی بقی فی أصحابه الذین جاءوا معه من المدینة! [3] وإنّما فعل ذلك لانّه ظنّ أنّما اتبعه الاعراب لانّهم ظنّوا أنّه یأتی بلداً قد استقامت له طاعة أهله! فكره أن یسیروا معه إلاّ وهم یعلمون علامَ یقدمون! وقد علم أنّهم إذا بیّن لهم لم یصحبه إلاّ من یرید مواساته والموت معه!..). [4] .

4) تؤكّد مجموعة من المتون التأریخیة علی أنّ أهل الاطماع والارتیاب تفرّقوا عن الامام علیه السلام فی زُبالة، بعدما شاع فیهم خبر مقتل مسلم علیه السلام وهانی بن عروة (رض) وعبداللّه بن یقطر (رض)، وبعدما خطب فیهم الامام علیه السلام أو قراء كتاباً علیهم فأعلمهم بانقلاب الامر وخذلان الشیعة فی الكوفة، ثمَّ إذن لهم بالانصراف بلاذمام! كما مرَّ بنا فی روایة الطبری أو كما نقل الخوارزمیّ فی المقتل حیث قال: (وكان قد تبع الحسین خلقٌ كثیر من المیاه التی یمرُّ بها لانهم


كانوا یظنّون استقامة الامور له علیه السلام، فلمّا صار بزُبالة قام فیهم خطیباً فقال:

ألاإنّ أهل الكوفة وثبوا علی مسلم بن عقیل، وهانی بن عروة، فقتلوهما وقتلوا أخی من الرضاعة، فمن أحبّ منكم أن ینصرف فلینصرف من غیر حرج، ولیس علیه منّا ذمام!

فتفرّق الناس وأخذوا یمیناً وشمالاً، حتی بقی فی أصحابه الذین جاءوا معه من مكّة، وإنّما أراد أن لایصحبه إنسان إلاّ علی بصیرة!)، [5] أو (فكَرِهَ أن یسیروا معه إلاّ وهم یعلمون علامَ یقدمون! وقد علم أنّهم إذا بیّن لهم لم یصحبه إلاّ من یرید مواساته والموت معه!..). [6] .

ونقول: تلك هی سُنّة القادة الربانییّن فی قیامهم، إنهم یریدون العدّة وكثرة الانصار، ولكنْ لیس أیّ ناصر وكیفما كان!، بل الناصر (الرِبیُّ): [7] الشدید التمسّك بإطاعة الامر الالهی، الذی یُقدم علی تنفیذ الامر الالهی ناظراً إلی التكلیف لاإلی النتیجة!، قد نزع قلبه من كلّ عوالق الدنیا وما فیها وأخلصه لطاعة اللّه تبارك وتعالی، فكانت مرضاة (الربّ) عزّ وجلَّ هی الهمُّ الشاغل قلبه لاسواها.

هذه العدّة من (الربیّین) [8] هی العدّة التی یطلبها ویسعی إلی تكثیرها القائد الربّانیّ فی قیامه ونهضته!


ومن سُنّة القادة الربّانیین أیضاً أنهم یستثمرون كُلَّ مناسبة لامتحان (المجموع) الذی یصحبهم، وذلك لتخلیص ‍ عدّتهم الربّانیة من كلّ ما یعلق بها من أهل الطمع والارتیاب، حتّی تصفو هذه العدّة من الاضافات الكاذبة! فتبقی الصفوة الخالصة (القوة الحقیقیة) التی یخطّط القائد الربانیّ علی أساسها نوع المواجهة وأسلوب القتال یوم الملحمة!

وهذه مسألة مهمّة وأساسیة فی التخطیط الحربی، بل حتّی فی التخطیط لكل مواجهة سیاسیة، ذلك لانّ التخطیط فی كلّ مواجهة علی أساس (القوة الظاهریة) لاعلی أساس (القوّة الحقیقیة) سیضع القوّة العسكریة أو الحركة السیاسیة أمام حدث هو أكبر من حجمها الحقیقی، فإذا تعرّضت هذه القوّة أو الحركة لضربة قاصمة أو إنكسار كبیر مثلاً فإنّ هذه الضربة أو هذا الانكسار سیقعان علی رأس (القوّة الحقیقة) فقط! لانّ الاضافات غیر الحقیقیة التی أحاطت بالقوّة الحقیقیة وشكّلت معها القوّة الظاهریة ستتفرّق وتتلاشی عنها ساعة الشدّة كما هی عادة وطبیعة الاشیاء، تاركة القوّة الحقیقیة وحدها عرضة لضربة أو انكسار هما أكبر من استطاعتها وتحمّلها!! ولذا قد تتحطّم القوّة الحقیقیة أو تزول تماماً قبل تحقیق الهدف المنشود من وراء وجودها!

هذا فی إطار الاثر علی الارض! أمّا فی إطار الاثر فی السماء، فإنّ اختبار العدّة الظاهریة بالامتحان بعد الامتحان، وتمحیصها حتّی لایبقی منها إلاّ أهل البصائر والعزائم الراسخة، سوف یزید من علوّ درجاتهم ومنازلهم الاخرویة عند اللّه تبارك وتعالی، لانّ لهم أجراً وفوزاً وارتقاءً لنجاحهم بعد كلّ امتحان وتمحیص! واللّه یختص برحمته من یشاء، واللّه واسع علیم!



[1] تأريخ الطبري، 3:290؛ وانظر: الارشاد: 198؛ ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:305.

[2] مرّت بنا في الفصل السابق تفاصيل قصة مقتل عبداللّه بن يقطر(رض)، وفي هذا الفصل ايضاً، فراجع.

[3] لعل مراد الراوي مدينة مكّة، لانّ من المسلّم به أنّ هناك من التحق بالامام عليه السلام في مكة ثم لازمه حتي استشهد بين يديه في كربلاء.

[4] تاريخ الطبري، 3:303؛ وانظر: الارشاد: 205.

[5] مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:328.

[6] تاريخ الطبري، 3:290.

[7] الربيُّ: وهو كالربّاني: من اختصّ بربّه تعالي فلم يشتغل بغيره. (تفسير الميزان، 4:41).

[8] وقد أشار إليهم القرآن الكريم في قوله تعالي: (وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبُّ الصابرين.)، (سورة آل عمران: 146).